الجمعة، 2 سبتمبر 2011

أدب الرعب في العالم العربي 3


بسم الله الرحمن الرحيم

3

نعود في مقالتنا الثالثة لمناقشة وعرض تصنيفات الرعب التي بدأتها في المقالة السابقة:

(الرعب التاريخي) أطلقت هذا المصطلح على قصص الرعب التي تقوم على مبدأ تاريخي كقلعة حدثت بها مذبحة حقيقية أو مخطوط قديم يدور حوله جدال مرعب، ولكن الرعب التاريخي يجب أن يحمل جزء من الحقيقة أو الحقيقة الكاملة أو معلومات تاريخية موثقة، فهو رعب خادع تختلط فيه الحقائق بالخيال ويترك للقارئ التمتع بهذا الخليط، ومثال على ذلك رواية (مخطوطة بن إسحاق) التي استخدم فيها الرعب التاريخي بشكل مستفيض مع إضفاء لمسات من الخيال عليه لجعل مخطوط قديم هو محور الأحداث بما يحويه من كلمات تتعلق بالجان وبقرية مصرية قديمة غير مسجلة في السجلات الحكومية أبيدت على أخرها. الفكرة هنا تاريخية تحمل حقائق تختلط بالخيال.

(الرعب الفلسفي) وهذا المصطلح ربما يكون غريب لاجتماع الرعب بالفلسفة ولكن الخوف من شيء ما غريزة كغريزة البحث عن الحقيقة في الفلسفة، والفلسفة بدون تحيز أكثر الأنماط التي تمتلئ بالرعب في رأيي من كثرة المواضيع التي تبحثها بأكثر من منظور وبأكثر من طريقة في بعض الأحيان تفضي إلى نتائج مذهلة تقشعر لها الأبدان، فالبحث عن الله هو أكثر أنماط البحث رعباً لو تم تناوله مثلاً بطريقة روائية احترافية، وكمثال على ذلك هناك رواية (ن=ف) التي يصلح الرعب الفلسفي نوعاً لها فهي تغوص بين العلم والفلسفة في اكتشاف أصل الموت وهل يمكن السيطرة عليه فيمكن للإنسان أن يعيش مدى الحياة، هل هناك من استطاعوا فعل هذا؟ يمكنك أن تسأل نفسك ألف سؤال وأنت تقرأ الرواية، وتخاف من المجهول ألف مرة وتتوقع لها ألف رواية، ولكنك دائماً ما تصدم بالحقيقة، وللقصص الفلسفية المغلفة بالرعب أمثلة قليلة جداً فهي منطقة بكر يخاف الكثيريين الخوض فيها.

(الرعب العلمي) ويخلط البعض هنا بينه وبين الخيال العلمي وإن كنت أعترف أن هناك خيط مشترك بين الاثنان فالخيال العلمي يستند لنظرية علمية بفرض صحتها ثم يبني عليها أحداثاُ خيالية ونتائج علمية وتدور الدراما في هذا النمط، أما الرعب العلمي فهو لا يعتمد على نتائج علمية من الفكرة العلمية التي يبدأ بها ولكنه يترك الجزء العلمي ليغوص في الجزء الخاص بالخوف والرعب فهناك روايات صدرت في العالم الغربي تتكلم عن خاطفي الأجساد والاستحواذ ولو كان الاستحواذ من الفضاء فسيصنف رعب علمي لأنه بدأ من فرضية علمية وهو السيطرة على الخلايا العصبية عن طريق مصدر من خارج الأرض، أما بقية الرواية والمواجهة لو تمت بشكل علمي فيصنف خيال علمي.

(رعب القدرات) أيضاً تقع القدرات النفسية والمادية للإنسان بين منطقة الرعب والخيال العلمي ولكنها أقرب للرعب منها للخيال العلمي لأن تلك القدرات الجزء الأكبر منه لا يتبع نظرية علمية واحدة ولا يمكن الجزم فهناك مئات النظريات العلمية التي تحلل القدرة الواحدة فالتحريك عن بعد لها الكثير من النظريات التي تقول أنها تخص الهالة المحيطة بالجسد أو العقل أو الصدمات أو التدريب والكثير والكثير فلذلك تقترب أكثر القدرات من عالم الرعب ويمكن تناولها بشكل أثرى في ذلك العالم، والأجمل في رعب القدرات أن المساحة مفتوحة فيه إلى حدود ضخمة _مع التركيز على احترام القارئ_ فهناك التحريك عن بعد وقراءة الأفكار وتحريك النيران وإشعالها والقوة الجسدية وخروج الكهرباء من الجسد وهناك قدرات يمكن اختراعها مع صعوبة اختراعها بالطبع كقدرة شخص على الاكثار من الماء بمجرد لمسه وهي قدرة ليست موجودة بل من اختراع خيالي، ولكن يمكن استخدامها في عمل درامي مغلف بالرعب، مع الحرص على أن تلك النوعية من الرعب يجب أن تكتب بشكل احترافي لأن القارئ العربي لم يتعود على تقبل فكرة أن هناك أصحاب قدرات غريبة يعيشون بينه سوى المتدينين والسحرة.

(رعب العالم الآخر) تندرج تحت تلك النوعية المقابر والأموات والاستيقاظ من الموت والمقابر المفتوحة وإن كانت تختلف الأفكار من شعب لآخر بسبب ومن دين لآخر ففي المسيحية يستخدم التابوت للدفن وفي الإسلام يتم الدفن في التراب لذلك كان التناول مختلفاً، وتلك النوعية شائكة جداً بالنسبة لليهودية والمسيحية والإسلام، فالعالم الآخر الذي هو الموت له قدسية في الأديان السماوية وعليه اختلاف في الأديان الوضعية، وهذه هي المشكلة، فالتناسخ هي فكرة من دين وضعي تخالف الأديان، وإذا تناولها كاتب عربي سيظل يحمل انتقاداً دينياً حتى وإن كانت الشخصيات خيالية، ولذلك ظلت تلك النوعية صعبة التناول عند العرب لأن الخوض في مسألة العالم الآخر يعرض صاحبه للاتهام بالهرطقة أو الكفر، مع ملاحظة أنني في هذا النوع لا أقصد الأرواح لأنني سأكتبه في النوع القادم.

(رعب الروح) من المناطق الشائكة أيضاً ولكن يسهل تناولها في بعض الأعمال لأن هناك قدرات للروح بعد الوفاة باعتراف الديانات السماوية والوضعية وتلك القدرات نعرف بعضها ويظل البعض الآخر مغلق، وتشتمل القائمة على الأشباح والأرواح التي تسير هائمة أو تسكن المنازل والمباني، وإن اعتقد بعض الكتاب أن أسهل نوع في التناول أثناء كتابة قصة الرعب هو هذا النوع فهم واهمين لأن مئات الكتاب استخدموا هذا النوع واستهلكوه فأصبح على كاتب يكتب عن قصة تتعلق بالأرواح أن يكون دقيقاً ومجدداً ومتميزاً في نفس الوقت، ومن أمثلة الكتاب المصريين الذين تكلموا عن الأرواح د / أحمد خالد توفيق في قصص سلسلة ما وراء الطبيعة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق